تصريحات القذافي.. هل تنقلب ليبيا
على مراجعات الجماعة المقاتلة؟
وفي إطار ردود الفعل على تصريحات القذافي، رفض المفكر الليبي علي الصلابي وصف معتقلي الجماعة المقاتلة بالزنادقة، موضحا أن هذا مخالف للشريعة الإسلامية؛ لأن الزنديق هو الذي يبطن الكفر وينطق بالإسلام، ولكن هؤلاء الناس صادقون في دينهم، وفي حبهم للإسلام، فهم ليسوا زنادقة، وهذا الوصف لا يقع عليهم؛ فهم يرون أنفسهم أصحاب مشروع إصلاحي. أما عن علاقة الجماعة بتنظيم القاعدة، فقال الصلابي إنه لا توجد أية علاقة تربط هؤلاء المساجين بتنظيم القاعدة، وإنهم أعلنوا خلال الشهور الماضية نبذهم للعنف كوسيلة للتغيير؛ وذلك في مراجعاتهم الفكرية والفقهية التي نالت استحسان كبار العلماء ورجال الدين في داخل ليبيا وخارجها؛ إذ كانت الجماعة قد أصدرت مراجعاتها في ديسمبر من عام 2009 تحت عنوان: "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، برعاية الدولة الليبية، وتحت إشراف نجل الرئيس الليبي سيف الإسلام القذافي، وأكدت خلالها رفضها لمنهج التغيير السياسي بالقوة العسكرية، ورفضها للخروج على الحاكم وقتاله. وعلى الرغم من محاولة القذافي الربط في كلامه بين قادة الجماعة المقاتلة في السجون وتنظيم القاعدة، فإن المعروف أن الجماعة لم تعلن انضمامها إلى تنظيم القاعدة، ولكن أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم أعلن في تسجيل صوتي أواخر عام 2007 انضمام أعضاء من الجماعة للقاعدة بقيادة أبو الليث الليبي، وقد قتل أبو الليث في غارة أمريكية عام 2008 في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية. لكن مصادر داخل ليبيا أكدت لـ(الإسلاميون.نت) أن انضمام أبو الليث ورفاقه إلى تنظيم القاعدة جاء دون استشارة قادة الجماعة المقاتلة في السجون، وأنهم لم يوافقوا على هذه الخطوة، كما أنهم رفضوا ممارسات القاعدة خلال جلسات الحوار والمراجعة مع الدولة، بدليل أنهم أصدروا مراجعات ترفضها القاعدة من الأساس، كما أنهم أعلنوا في وقت سابق إدانتهم لأحداث سبتمبر المتورط فيها تنظيم القاعدة
احترام القضاء
وعلى عكس الموقف الذي أبداه القذافي حيال أحكام القضاء في خطابه، أثنى د.علي الصلابي في تصريحات نشرتها جريدة الشرق الأوسط اللندنية السبت 30 يناير 2010 على موقف وزير العدل الليبي قائلا: إنه يجب احترام أحكام القضاء الليبي المبنية على أدلة وبراهين تنفي تورطهم في أعمال من شأنها أن تضر بمصلحة الوطن. وقال الصلابي: إن الجميع في ليبيا ينتظرون وفاء الدولة بعهدها لإطلاق سراح معتقلي الجماعة المقاتلة، خاصة بعدما قاموا بإصدار مراجعاتهم كبادرة لحسن النية، والرغبة في العمل تحت راية الدولة.مضيفا أن إقامة العدل في أي مجتمع أو دولة يظهر في تنفيذ أحكام القضاء، وأن بقاءهم في السجن لا مبرر له، ومن الطبيعي أن تحترم أحكام القضاء وتنفذ، وليس من حق الدولة أن تضعهم في السجن وتخالف أحكام القضاء. ودعا الصلابي السلطات الليبية إلى البحث عن وسائل أخرى لحفظ الأمن من دون التضييق على حريات الآخرين، قائلا: "لا نمانع في أن يجدوا الطريقة المثلى لحفظ الأمن، لكن الأبرياء يجب ألا يظلوا أكثر من هذا في السجون.. حاسبوهم فقط على آخر ما وصلوا إليه من قناعات".[/size]
الانقلاب على المراجعات
وبينما كان موقف الرئيس الليبي يمثل انقلابا على فكرة المراجعات ذاتها، قال حسن أبو هنية الباحث في شئون الحركات الإسلامية لـ(الإسلاميون.نت): إنه من الخطأ التفاؤل بأن المراجعات سيكون لها ثمارها المباشرة على الجماعة المقاتلة؛ فالمراجعات برغم عملية الترويج لها من قبل النظام الليبي فإنها تبقى في الإطار الأمني ولم تتجاوزه. ويضيف: "في البداية كانت هناك جدية في التعاطي معها عبر تصريحات سيف الإسلام ومواقفه الإيجابية تجاه أعضاء الجماعة، والإفراج عن بعضهم، والوعد بالإفراج عن الباقين في فترات لاحقة، لكن يبدو أن رؤية الجناح المحافظ بالسلطة بقيادة الرئيس القذافي وبعض رجال الأمن الرافضين لمنطق العفو والتصالح تظل هي الحاكمة في النهاية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصادر ليبية أكدت أن الدولة لم تقطع على نفسها وعودا بأن يكون إطلاق سراح قادة الجماعة هو الثمن لهم إذا ما قاموا بالمراجعات، وأن هذا كان أحد العقبات في طريق المراجعات، إلا أن قادة الجماعة في نهاية الأمر رجحوا أن تكون هذه المراجعات لوجه الله، وتعبيرا حقيقيا عن التغيير الذي حدث في فكرهم وعن مواقفهم واختياراتهم الفقهية الجديدة في التصالح مع الدولة والعودة إلى المجتمع. من جهته، هون عصام دربالة القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية من تصريحات القذافي حيال الجماعة المقاتلة، معتبرا أنه في كثير من الأحيان تكون تصريحاته في رسائل سياسية تطمينية للخارج لإثبات أن ليبيا لا تزال ماضية في تنفيذ وعودها بمحاربة الإرهاب والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، وأما على المستوى الواقعي فإن دربالة يرى أن الدولة من الصعب أن تنقلب على المراجعات؛ لأنها تاجرت بها وربحت الكثير من ورائها وساهمت في تبييض وجهها أمام المجتمع الدولي دون أن تخسر شيئا، فما الذي يدفعها إلى الانسحاب والانقلاب على المراجعات؟!
صعود القاعدة يلقي بظلاله
ويربط حسن أبو هنية بين تراجع موقف الدولة حيال الجماعة بالسياق الدولي العام وتصاعد الحملة الأمريكية والدولية ضد تنظيم القاعدة بعد نجاح التنظيم في القيام بعمليات نوعية منها محاولة تفجير الطائرة الأمريكية فوق سماء مدينة ديترويت الأمريكية، وعملية الأردني همام البلوي الذي راح ضحيتها عدد من رجال المخابرات الأمريكية، وقبل ذلك المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف.. هذه العمليات أكدت أن التنظيم لا يزال قويا، وأعطت مبررات لشن حملة قوية ضده، وضد ما يسمى بالإرهاب. هذا التصاعد -كما يؤكد المتحدث- أوجد مناخا عاما سلبيا، ودفع بالدولة الليبية إلى التراجع عن إطلاق سراح المعتقلين، خاصة قادة الجماعة الذين قاموا بكتابة المراجعات تحت إشراف الدولة. وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سادت في الأوساط الإسلامية حيال مراجعات الجماعة المقاتلة فإن حسن أبو هنية يؤكد أنها لم ترق إلى مستوى طموحات الأمن الليبي؛ حيث كانت المراجعات دقيقة وشفافة خطأت فيها الجماعة نفسها، وأثمت الدولة، وحملتها جميع الأسباب عن خروج الجماعة على النظام، لكن هذا لم يعجب النظام الليبي، ولم يرض غروره، واعتبرها مراجعات غير كافية، ولهذا رأينا هذا التلكؤ من قبل الدولة. والجماعة المقاتلة -بحسب أبو هنية- كانت أكثر ذكاء في مراجعاتها من الجماعات الإسلامية المصرية، ونجحت في إحراج النظام الليبي أمام العالم، وإظهاره بمظهر الرافض لجميع الحلول، وللحوار الذي قبله بالأمس؛ فمراجعات الجهاد المصرية التي أصدرها الدكتور فضل، وكانت عبارة عن وصلات من النقد والتجريح للظواهري وبن لادن، ومراجعات الجماعة الإسلامية المصرية لم تدن موقف الدولة، وحملت أعضاء الجماعة المسئولية كاملة عن المواجهة مع النظام. ويدافع عصام دربالة عن موقف الدولة المصرية من مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، موضحا أن الدولة استجابت للجماعة وتفاعلت معها ووفت بوعودها في إخراج أكثر من 12 ألف معتقل من أعضاء الجماعة من السجون في ظل مناخ دولي كان ولا يزال يتسم بالحرب على الإرهاب، وهي خطوة كبيرة تحسب لها برغم أن هناك خطوات كثيرة في طريق دمج الجماعة بالمجتمع والدعوة الإسلامية لا تزال تحتاج إلى تفعيل. ويؤكد على أن الدولة الليبية مطالبة اليوم على الأقل بأن تحذو حذو الدولة المصرية في التعاطي مع الجماعة الإسلامية، وتقوم بإطلاق سراح المعتقلين الذين أصدروا مراجعات قيمة شهد بها كثير من العلماء والفقهاء.
خطورة رفض المصالحة
ويشير دربالة إلى أن موقف القذافي السلبي حيال الجماعة المقاتلة، ورفضه خروج قادتها من السجون سيكون له أثر سلبي على الثقة الموجودة بين الدولة والقائمين على المراجعات، لكن الأثر الأكثر سلبية -برأيه- سيكون على الشباب الحر الطليق غير المرصود أمنيا، والذين سيزداد ويتعمق لديهم الشعور بأن طرق التغيير السلمي مغلقة، وأن الطريق الوحيد للتغيير هو التعامل العسكري والمصادمات المسلحة، وهذا كله ضد مصلحة الدولة. ويؤكد دربالة أن الجانب الأكثر خطورة في تصريحات القذافي في أنه سيقوي من موقف الرافضين للمراجعات، وسيزيد من حجتهم في رفض المصالحة مع الأنظمة الحاكمة، وسيؤكد منطق الشماتة من قبل تنظيم القاعدة في القائمين بالمراجعات؛ إذ ستكون الرسالة هي: "ها أنتم قمتم بالمراجعات على أمل أن يقبلها منكم النظام، لكن النظام ضرب بها عرض الحائط ورفضها.. وهذا هو ما جنته أيديكم". ويبدي أبو هنية اتفاقه مع ما يقوله دربالة، مشيرا إلى أن القاعدة برغم أنها رفضت مراجعات جماعة الجهاد المصرية وفندتها في عدة إصدارات فإنها لم تبد أي ردود فعل تجاه مراجعات الجماعة المقاتلة؛ وذلك لأن "أبو يحيى الليبي" المسئول الشرعي كان ولا يزال يراهن على حدوث انقسام عمودي في بنية تنظيم الجماعة المقاتلة تجاه الحوار والمراجعة، ويبدو أن ما يحدث من تطورات يصب في مصلحة القاعدة وفي تراجع بعض عناصر الجماعة عن فكرة المراجعات ما دام أنه لا استجابة لها.
على مراجعات الجماعة المقاتلة؟
معتقلي الجماعة المقاتلةفتحت تصريحات الرئيس الليبي معمر القذافي - بعدم الإفراج عن معتقلي الجماعة الإسلامية المقاتلة - الباب على مصراعيه أمام احتمالات حدوث انقلاب ليبي على مراجعات الجماعة التي أصدرتها تحت رعاية الدولة نفسها في سبتمبر 2009. وبعد إعلان القذافي أن ليبيا ستواصل احتجاز ما يقرب من 300 عضو من المعتقلين الإسلاميين إلى أجل غير مسمى، حذر خبراء في شئون الحركات الإسلامية من نتائج التعاطي السلبي مع الجماعة، والتراجع عن إطلاق سراح بقية عناصرها وقياداتها القابعين في السجون. يأتي ذلك في سياق التطورات التي تشهدها الساحة الليبية في ملف الجماعة الليبية المقاتلة؛ حيث أعلن الرئيس القذافي - في خطاب أمام مؤتمر الشعب العام، الذي اختتم أعماله في مدينة سرت الخميس 28 يناير 2010 - أن ليبيا ستواصل احتجاز المعتقلين الإسلاميين إلى أجل غير مسمى بعد أن أتموا مدة عقوبتهم؛ وذلك لمنعهم من شن هجمات جديدة. وأمام عدد من كبار المشرعين الليبيين، اعتبر القذافي أن هؤلاء السجناء "زنادقة"، وهم من أتباع أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وأنهم قتلوا عددا من المدنيين ومن رجال الشرطة. وأضاف: "عندما يطلقونهم سيستمرون في التفجير وفي الاغتيال، وسينتشرون في البلاد، ويذهبون إلى الجزائر وأفغانستان، ويذهبون إلى البلدان التي حولنا، ويرجعون مرة ثانية، ويجندون آخرين". وكان وزير العدل الليبي عبد الجليل مصطفى قد شكا إلى القذافي عدم تنفيذ الدولة لأحكام البراءة في حق هؤلاء المساجين، مطالبا إعفاءه من منصبه قبل رفض طلبه؛ بسبب عدم تنفيذ أحكام القضاء الليبي بالإفراج عن المعتقلين الإسلاميين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
معتقلي الجماعة المقاتلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الصلابي
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
معتقلي الجماعة المقاتلة
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
الصلابي
هل هم زنادقة؟
وفي إطار ردود الفعل على تصريحات القذافي، رفض المفكر الليبي علي الصلابي وصف معتقلي الجماعة المقاتلة بالزنادقة، موضحا أن هذا مخالف للشريعة الإسلامية؛ لأن الزنديق هو الذي يبطن الكفر وينطق بالإسلام، ولكن هؤلاء الناس صادقون في دينهم، وفي حبهم للإسلام، فهم ليسوا زنادقة، وهذا الوصف لا يقع عليهم؛ فهم يرون أنفسهم أصحاب مشروع إصلاحي. أما عن علاقة الجماعة بتنظيم القاعدة، فقال الصلابي إنه لا توجد أية علاقة تربط هؤلاء المساجين بتنظيم القاعدة، وإنهم أعلنوا خلال الشهور الماضية نبذهم للعنف كوسيلة للتغيير؛ وذلك في مراجعاتهم الفكرية والفقهية التي نالت استحسان كبار العلماء ورجال الدين في داخل ليبيا وخارجها؛ إذ كانت الجماعة قد أصدرت مراجعاتها في ديسمبر من عام 2009 تحت عنوان: "دراسات تصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس"، برعاية الدولة الليبية، وتحت إشراف نجل الرئيس الليبي سيف الإسلام القذافي، وأكدت خلالها رفضها لمنهج التغيير السياسي بالقوة العسكرية، ورفضها للخروج على الحاكم وقتاله. وعلى الرغم من محاولة القذافي الربط في كلامه بين قادة الجماعة المقاتلة في السجون وتنظيم القاعدة، فإن المعروف أن الجماعة لم تعلن انضمامها إلى تنظيم القاعدة، ولكن أيمن الظواهري الرجل الثاني في التنظيم أعلن في تسجيل صوتي أواخر عام 2007 انضمام أعضاء من الجماعة للقاعدة بقيادة أبو الليث الليبي، وقد قتل أبو الليث في غارة أمريكية عام 2008 في منطقة الحدود الأفغانية الباكستانية. لكن مصادر داخل ليبيا أكدت لـ(الإسلاميون.نت) أن انضمام أبو الليث ورفاقه إلى تنظيم القاعدة جاء دون استشارة قادة الجماعة المقاتلة في السجون، وأنهم لم يوافقوا على هذه الخطوة، كما أنهم رفضوا ممارسات القاعدة خلال جلسات الحوار والمراجعة مع الدولة، بدليل أنهم أصدروا مراجعات ترفضها القاعدة من الأساس، كما أنهم أعلنوا في وقت سابق إدانتهم لأحداث سبتمبر المتورط فيها تنظيم القاعدة
احترام القضاء
وعلى عكس الموقف الذي أبداه القذافي حيال أحكام القضاء في خطابه، أثنى د.علي الصلابي في تصريحات نشرتها جريدة الشرق الأوسط اللندنية السبت 30 يناير 2010 على موقف وزير العدل الليبي قائلا: إنه يجب احترام أحكام القضاء الليبي المبنية على أدلة وبراهين تنفي تورطهم في أعمال من شأنها أن تضر بمصلحة الوطن. وقال الصلابي: إن الجميع في ليبيا ينتظرون وفاء الدولة بعهدها لإطلاق سراح معتقلي الجماعة المقاتلة، خاصة بعدما قاموا بإصدار مراجعاتهم كبادرة لحسن النية، والرغبة في العمل تحت راية الدولة.مضيفا أن إقامة العدل في أي مجتمع أو دولة يظهر في تنفيذ أحكام القضاء، وأن بقاءهم في السجن لا مبرر له، ومن الطبيعي أن تحترم أحكام القضاء وتنفذ، وليس من حق الدولة أن تضعهم في السجن وتخالف أحكام القضاء. ودعا الصلابي السلطات الليبية إلى البحث عن وسائل أخرى لحفظ الأمن من دون التضييق على حريات الآخرين، قائلا: "لا نمانع في أن يجدوا الطريقة المثلى لحفظ الأمن، لكن الأبرياء يجب ألا يظلوا أكثر من هذا في السجون.. حاسبوهم فقط على آخر ما وصلوا إليه من قناعات".[/size]
الانقلاب على المراجعات
وبينما كان موقف الرئيس الليبي يمثل انقلابا على فكرة المراجعات ذاتها، قال حسن أبو هنية الباحث في شئون الحركات الإسلامية لـ(الإسلاميون.نت): إنه من الخطأ التفاؤل بأن المراجعات سيكون لها ثمارها المباشرة على الجماعة المقاتلة؛ فالمراجعات برغم عملية الترويج لها من قبل النظام الليبي فإنها تبقى في الإطار الأمني ولم تتجاوزه. ويضيف: "في البداية كانت هناك جدية في التعاطي معها عبر تصريحات سيف الإسلام ومواقفه الإيجابية تجاه أعضاء الجماعة، والإفراج عن بعضهم، والوعد بالإفراج عن الباقين في فترات لاحقة، لكن يبدو أن رؤية الجناح المحافظ بالسلطة بقيادة الرئيس القذافي وبعض رجال الأمن الرافضين لمنطق العفو والتصالح تظل هي الحاكمة في النهاية. وتجدر الإشارة هنا إلى أن مصادر ليبية أكدت أن الدولة لم تقطع على نفسها وعودا بأن يكون إطلاق سراح قادة الجماعة هو الثمن لهم إذا ما قاموا بالمراجعات، وأن هذا كان أحد العقبات في طريق المراجعات، إلا أن قادة الجماعة في نهاية الأمر رجحوا أن تكون هذه المراجعات لوجه الله، وتعبيرا حقيقيا عن التغيير الذي حدث في فكرهم وعن مواقفهم واختياراتهم الفقهية الجديدة في التصالح مع الدولة والعودة إلى المجتمع. من جهته، هون عصام دربالة القيادي في الجماعة الإسلامية المصرية من تصريحات القذافي حيال الجماعة المقاتلة، معتبرا أنه في كثير من الأحيان تكون تصريحاته في رسائل سياسية تطمينية للخارج لإثبات أن ليبيا لا تزال ماضية في تنفيذ وعودها بمحاربة الإرهاب والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن، وأما على المستوى الواقعي فإن دربالة يرى أن الدولة من الصعب أن تنقلب على المراجعات؛ لأنها تاجرت بها وربحت الكثير من ورائها وساهمت في تبييض وجهها أمام المجتمع الدولي دون أن تخسر شيئا، فما الذي يدفعها إلى الانسحاب والانقلاب على المراجعات؟!
صعود القاعدة يلقي بظلاله
ويربط حسن أبو هنية بين تراجع موقف الدولة حيال الجماعة بالسياق الدولي العام وتصاعد الحملة الأمريكية والدولية ضد تنظيم القاعدة بعد نجاح التنظيم في القيام بعمليات نوعية منها محاولة تفجير الطائرة الأمريكية فوق سماء مدينة ديترويت الأمريكية، وعملية الأردني همام البلوي الذي راح ضحيتها عدد من رجال المخابرات الأمريكية، وقبل ذلك المحاولة الفاشلة لاغتيال وزير الداخلية السعودي محمد بن نايف.. هذه العمليات أكدت أن التنظيم لا يزال قويا، وأعطت مبررات لشن حملة قوية ضده، وضد ما يسمى بالإرهاب. هذا التصاعد -كما يؤكد المتحدث- أوجد مناخا عاما سلبيا، ودفع بالدولة الليبية إلى التراجع عن إطلاق سراح المعتقلين، خاصة قادة الجماعة الذين قاموا بكتابة المراجعات تحت إشراف الدولة. وعلى الرغم من حالة التفاؤل التي سادت في الأوساط الإسلامية حيال مراجعات الجماعة المقاتلة فإن حسن أبو هنية يؤكد أنها لم ترق إلى مستوى طموحات الأمن الليبي؛ حيث كانت المراجعات دقيقة وشفافة خطأت فيها الجماعة نفسها، وأثمت الدولة، وحملتها جميع الأسباب عن خروج الجماعة على النظام، لكن هذا لم يعجب النظام الليبي، ولم يرض غروره، واعتبرها مراجعات غير كافية، ولهذا رأينا هذا التلكؤ من قبل الدولة. والجماعة المقاتلة -بحسب أبو هنية- كانت أكثر ذكاء في مراجعاتها من الجماعات الإسلامية المصرية، ونجحت في إحراج النظام الليبي أمام العالم، وإظهاره بمظهر الرافض لجميع الحلول، وللحوار الذي قبله بالأمس؛ فمراجعات الجهاد المصرية التي أصدرها الدكتور فضل، وكانت عبارة عن وصلات من النقد والتجريح للظواهري وبن لادن، ومراجعات الجماعة الإسلامية المصرية لم تدن موقف الدولة، وحملت أعضاء الجماعة المسئولية كاملة عن المواجهة مع النظام. ويدافع عصام دربالة عن موقف الدولة المصرية من مراجعات الجماعة الإسلامية المصرية، موضحا أن الدولة استجابت للجماعة وتفاعلت معها ووفت بوعودها في إخراج أكثر من 12 ألف معتقل من أعضاء الجماعة من السجون في ظل مناخ دولي كان ولا يزال يتسم بالحرب على الإرهاب، وهي خطوة كبيرة تحسب لها برغم أن هناك خطوات كثيرة في طريق دمج الجماعة بالمجتمع والدعوة الإسلامية لا تزال تحتاج إلى تفعيل. ويؤكد على أن الدولة الليبية مطالبة اليوم على الأقل بأن تحذو حذو الدولة المصرية في التعاطي مع الجماعة الإسلامية، وتقوم بإطلاق سراح المعتقلين الذين أصدروا مراجعات قيمة شهد بها كثير من العلماء والفقهاء.
خطورة رفض المصالحة
ويشير دربالة إلى أن موقف القذافي السلبي حيال الجماعة المقاتلة، ورفضه خروج قادتها من السجون سيكون له أثر سلبي على الثقة الموجودة بين الدولة والقائمين على المراجعات، لكن الأثر الأكثر سلبية -برأيه- سيكون على الشباب الحر الطليق غير المرصود أمنيا، والذين سيزداد ويتعمق لديهم الشعور بأن طرق التغيير السلمي مغلقة، وأن الطريق الوحيد للتغيير هو التعامل العسكري والمصادمات المسلحة، وهذا كله ضد مصلحة الدولة. ويؤكد دربالة أن الجانب الأكثر خطورة في تصريحات القذافي في أنه سيقوي من موقف الرافضين للمراجعات، وسيزيد من حجتهم في رفض المصالحة مع الأنظمة الحاكمة، وسيؤكد منطق الشماتة من قبل تنظيم القاعدة في القائمين بالمراجعات؛ إذ ستكون الرسالة هي: "ها أنتم قمتم بالمراجعات على أمل أن يقبلها منكم النظام، لكن النظام ضرب بها عرض الحائط ورفضها.. وهذا هو ما جنته أيديكم". ويبدي أبو هنية اتفاقه مع ما يقوله دربالة، مشيرا إلى أن القاعدة برغم أنها رفضت مراجعات جماعة الجهاد المصرية وفندتها في عدة إصدارات فإنها لم تبد أي ردود فعل تجاه مراجعات الجماعة المقاتلة؛ وذلك لأن "أبو يحيى الليبي" المسئول الشرعي كان ولا يزال يراهن على حدوث انقسام عمودي في بنية تنظيم الجماعة المقاتلة تجاه الحوار والمراجعة، ويبدو أن ما يحدث من تطورات يصب في مصلحة القاعدة وفي تراجع بعض عناصر الجماعة عن فكرة المراجعات ما دام أنه لا استجابة لها.
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]